الاذكار

أذكار الصباح
أذكار المساء

الخميس، 8 يناير 2015

خطبة4

معاشر المؤمنين..
وصية الله لكم في كل آن وحين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (آل عمران: 102).
إخوة الإسلام..
بين التكليف والتشريف يكمن أمر عظيم في الفهم والوعي وينعكس في العمل والسلوك، كنتُ مرة في إحدى الجمعيات القائمة على تعليم القرآن وتحفيظه، وصليتُ معهم، وبعد الصلاة أرادوا أن أتحدث إليهم، ففكرتُ.. في أي شيء أتحدث إلى قوم يعملون في خدمة كتاب الله وربما يحفظونه ويجيزون فيه بالأسانيد المتصلة؟ فتذكرتُ قول الحق جل وعلا: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} (الزخرف: 44).
نتشرف ونفتخر ونعتز بإسلامنا، نرفع رؤوسنا وتمتلئ صدورنا عزة بقرآننا، ونشرف ونفخر برسولنا صلى الله عليه وسلم، لكننا هنا نستمع إلى القرآن يخاطبنا ويخاطب قبل ذلك رسولنا: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ} هو شرفٌ، هو عزٌ لك ولقومك، وخوطب به النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لأنه نزل –أي القرآن- بلغتهم، فهم أفهم الناس له، ولكن الأمر لا يتم كذلك بل  {وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ}، سوف تسألون على هذا الشرف ما فعلتم به، سوف تسألون على هذه النعمة كيف قمتم بشكرها، سوف تسألون على هذا الوحي كيف قمتم بأمانته ونشره وتبليغه، وخذ من ذلك ما شئت، لا يكفي الشرف ولا التشريف بل لابد من العمل والقيام بالتكليف.
ومن هنا قال أهل التفسير كما ذكر السعدي: "ينبغي أن يكونوا أقوم الناس به وأعملهم بمقتضاه"، وقال المراغي كلاماً جميلاً وهو من المفسرين المتأخرين، قال: "سوف تسألون عن حقه وأداء شكر النعمة فيه، فإن الله أنزله بلغة العرب والله وعد بنشر هذا الدين، والعرب هم العارفون باللغة فهم الملزمون بنشرها ونشر هذا الدين للأمم الأخرى فمتى قصروا في ذلك أذلهم الله في الدنيا وأدخلهم النار في الآخرة"، وأشار إلى وجوب عنايتهم بتبليغه باللغات الأخرى بتفسير معانيه، ولما قرأت ذلك جاء في ذهني إحصائية أحفظها سأذكرها لكم لعلها تكون في القلوب حسرة دافعة للعمل، معان القرآن الكريم مترجمة إلى أقل من 100 لغة ولهجة من لغات البشر، والكتاب المقدس الإنجيل بما نعرف فيه من تحريف مترجم إلى نحو 2463 لغة ولهجة تغطي 90% من كل لهجة ولغة ينطق بها إنسان على وجه الأرض.
وأنتقل بكم إلى الذين تنزّل القرآن عليهم، لنرى هل اكتفوا بالشرف والفخر أم قاموا بالمهمة؟ وهذه ومضان سريعة يسيرة بقدر المقام: علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: "سلوني عن كتاب الله فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم بالليل نزلت أم بالنهار، أم في سهل أو في جبل"، وابن مسعود رضي الله عنه يقول: "والله ما نزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيمن نزلت؟ وأين نزلت؟ ولو أعلم أحداً أعلم بكتاب الله مني تناله المطايا لرحلت إليه"، ولو أخذنا الأمثلة لرأينا شيئاً عجيباً فإن الأمر فاش ومنتشر، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إني لأعرف رفقة الأشعريين" -وهم قوم أبي موسى الأشعري من اليمن-: "إني لأعلم أصوات رفقة الأشعريين بالقرآن حين يدخلون بالليل وأعرف منازلهم من أصواتهم بالقرآن بالليل وإن كنت لم أر منازلهم حين نزلوا بالنهار" (رواه البخاري)، قوم قدموا إلى المدينة ولم يعلم ولم يرهم الرسول لكنه مباشرة يعرف لأنهم في الليل يدوون بالقرآن كدوي النحل فيقول: "وصلت قافلة الأشعريين" وصل المسافرون الذين يقومون الليل بالقرآن الكريم رغم سفرهم، والأمر في هذا يطول.
والصحابة في شأن القرآن وحفظه ومن بعدهم التابعون كانوا نماذج فريدة، فهذا أبو العالية رفيع ابن مهران يخبر أنه قرأ القرآن على ابن عباس ثلاثين ختمة، قال: أستوقفه عند كل آية فأسأله عن معناها وفقهها، وهم الذين أخبرونا عن منهج الصحابة كما روى أبو عبدالرحمن السلمي قال: "كان الذين يقرؤوننا القرآن من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتجاوزون بنا العشر من الآيات حتى نعلم ما فيها من العلم والعمل فتعلمنا العلم والعمل جميعاً"، وأشرت في الجمعة الماضية إلى القدوة العظمى والأسوة الحسنى رسولنا صلى الله عليه وسلم وأشرت إلى معالم القدوة وفيها جانب الجد والاجتهاد والتضحية والفداء فكذلك تشرف الصحابة رضوان الله عليهم بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم لكنهم لم يجعلوا ذلك عنواناً أو لوحات يكتبونها كما نفعل أحيانا إذا حج الرجل كتب الحاج، ما علمنا صحابياً كتب الصحابي لكن كلنا نعرف صحبتهم ونعرف أثرهم من جهدهم.
وإليكم ومضات من هذا لندرك أن بين التكليف والتشريف يكمن فرق هائل، روى أحمد في مسنده والطبراني في معجمه وأبو يعلى في المسند أيضاً عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه: كان الرجل إذا هاجر دفعه النبي صلى الله عليه وسلم إلى رجل منا يعلمه القرآن فكان يُسمع لمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ضجة بالقرآن حتى أمرهم أن يخفضوا أصواتهم لئلا يتغالطوا، وفي السنة روى البخاري ومسلم أمراً قد تسمعونه وترونه عجيباً، وقد يقول بعض من نأى عن القرآن وبعد عن السنة إنه لا يدخل العقل كما يقال، جابر بن عبدالله رضي الله عنه والرواية في مسند أحمد سمع حديثاً يُروى عن عبدالله بن أنيس الأنصاري وعبدالله في بلاد الشام، وجابر يريد أن يسمع الحديث منه كما سمعه هو من الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: فاشتريتُ بعيراً ثم شددت عليه رحلي وأخذت زادي وسافرت له شهراً، حتى بلغ إلى بلاد الشام قال: فاستأذنت، فقال: من؟ قلت له جابر، فقال ابن عبدالله؟ فقلت نعم، فأقبل يطأ في ثوبه -أي: من شدة سرعته- فاعتنقني واعتنقته، فقال: ما أقبل بك؟ قال: حديث سمعت أنك سمعته من رسول الله فخشيت أن تموت أو أموت قبل أن أسمعه منك، ثم أخبره بالحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: "يُحشر الناس يوم القيامة عراة غرلاً بهماً..." والحديث طويل، وقد نظنها حادثة شاذة وليست كذلك، فقد ثبت أيضاً عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أنه سمع عن حديث رواه عقبة بن خالد الجهني وهو بمصر فرحل من المدينة إلى مصر ووصلها وبلغها، وقابل أميرها مسلمة رضي الله عنه قال: ما أقدمك يا أبا أيوب؟ قال: حديث سمعه عقبة بن عامر، فذهب إليه فسمعه منه وهو حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "من ستر مؤمناً في الدنيا على كربته ستره الله يوم القيامة"، الأحاديث اليوم بين أيدينا مطبوعة وعند أصابعنا على الشاشات موفورة، فهل نحن المدعون لشرف الانتساب نكلف أنفسنا عشر معشار بل أقل من ذلك مما تكلفه أولئك العظام ليبلغوا حديثاًَ واحداً ويسمعوه.
وأنتقل إلى صورة كانت تصبغ الحياة العامة كلها، ففي البخاري ومسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: كنت أنا وجار لي من الأنصار نتناوب مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فأغدوا يوماً إلى مسجد رسول الله -أي: ويغدو هو إلى عمله- فإذا كان اليوم الذي يليه غدا إلى مسجد رسول الله وانشغل عمر بعمله فإذا كان آخر اليوم بلّغ الذي في المسجد ما كان من أمر رسول الله وما نزل من الآيات، قسموا الحياة قسمين لئلا يفوتهم من شرف هذه الصحبة ما يعظم من علم وفضل وأداء لحق وقيام بأمانة ونشر لعلم والتزام لهدي وامتثال لهذا الدين العظيم، وتحقق بشرف الانتساب والصحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس الأمر كذلك في حياته فهذا ابن عباس وهو من صغار الصحابة لما انتقل المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى قال: قلت لرجل من الأنصار هلم بنا إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نسألهم فإنهم اليوم كثير –أي نسأل عما كان من الأحاديث والعلوم التي لم يعرفوها ولم يحضروها ويشهدوها، قال: فقال لي أو تظن أحداً يسألك يا بن عباس وهؤلاء الصحابة موجودون؟ -من سيحتاج إلى علمك؟- قال: فمضيت أتتبعهم فما سمعت بقول عند أحد حتى جئت إليه إلى بيته فإذا هو قائل -أي في وقت الظهيرة- قال: فأتوسد ردائي وأنام فيخرج فيقول ما لك يا بن عم رسول الله؟ فيقول: جئت أسألك عن حديث رسول الله، فيقول: ألا أخبرتني فآتيك؟ قال: أنت أحق أن آتيك، قال: فما لبث -أي هذا الأنصاري- أن رآني والناس يجتمعون عليّ وقد فرط هو في ذلك، والأمر في هذا كثير وكثير جداً، والأحداث في هذه القضايا عظيمة، ومن أجلها أنهم كانوا يتبعون بإيمان تام وتسليم كامل، ولا يقولون كما يقول بعضهم: كيف أفعل هذا وهو لا يتطابق مع العقل، كيف أصنع هذا وهو لا يتوافق مع العصر؟ ولقد قالها الفاروق عمر بن الخطاب جلية واضحة بكلمات ناصعة وهو يخاطب الحجر الأسود: أما إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك، حذو القذة بالقذة خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا عبدالله بن المغفل رأى بعضاً من أبنائهم من أسرتهم يخذف بالحصى -أي يرمي بالحصى الصغير- فقال: لا تفعل، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكره أو ينهى عن الخذف ويقول إنه لا يُصاد به الصيد ولا يُنكأ به العدو ولكنه يكسر السن ويفقأ العين، ثم رآه بعد ذلك وإذا به مرة أخرى يخذف قال: أقول لك نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تخذف والله لا أكلمك أبداً، كان الأمر عظيماً، كان الشأن عندهم في اتباع السنة لا يقبل أي أمر من أمور التراخي ولا من أمور الشبهات العارضة والأقاويل الموهمة الواهمة، واستمر ذلك في كل الأحوال حتى بعد انتقال النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه ومولاه، وكان أول حدث بعد أن تولى الصديق رضي الله عنه الخلافة جيش أسامة بن زيد حبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، الشاب الذي لم يبلغ العشرين من عمره قائد لجيش فيه كل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم على جلالة قدرهم وسبقهم وأسنانهم وبلائهم في نصرة الإسلام، فكان عمر يقول لأبي بكر: لو جعلت مكانه -أي من هو أكبر أو أقدر- فقال: ثكلتك أمك يا عمر يؤمّره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنزعه أنا! كيف يكون هذا؟، ومثل هذا كان في موقف أعظم يوم جاء عمر للصديق فقال: إني رأيت القتل قد استحرَّ بالقراء يوم اليمامة وأخشى أن يستحر بهم القتل في المواطن فأرى أن تجمع القرآن، قال: كيف أفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: هو والله خير، فما زال عمر بأبي بكر حتى شرح الله صدر أبي بكر للذي شرح له صدر عمر ثم استدعيا زيد بن ثابت يخاطب الخليفة الصديق ويخاطبه الفاروق عمر: نرى أن تجمع القرآن، فيقول: كيف تفعلان شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هذا هو التكليف الذي لا يقتصر على التشريف، واليوم نحن نجعل العناوين عريضة والقصائد طويلة والأهازيج متكررة في انتسابنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولكننا نرى عجباً عجاباً في التخلي عن سنته، وفي التقصير الظاهر في اتباع هديه، بل إن الأمر بلغ في أمتنا في شأن كتاب ربنا وبشأن سنة نبينا أمراً نسمعه بلسان عربي مبين من بني جلدتنا الناطقين بألسنتنا، كما قال بعضهم لا أجد في القرآن تحريماً لخمر، وكما يقول كثير منهم لا نجد شيئاً في القرآن عن حجاب وإنما هو عادات، وكما يقول هذا وذاك، كيف نفعل هذا مما ثبت عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثل هذا العصر، ومثل ذلك كثير حتى ندرك أن هناك فرقاً كبيراً وبوناً شاسعاً، إما أن نتصدر لهذا الشرف بالقيام بحقه وإما ألا نكثر من الادعاء فيه والتكرار لذكره.
أسأل الله عز وجل أن يرفعنا إلى مقام الشرف بالعمل والدعوة والقيام بحق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
الخطبة الثانية:
 معاشر المؤمنين..
أوصيكم بتقوى الله في كل آن وحين، فاتقوا الله في السر والعلن واحرصوا على أداء الفرائض والسنن.
ولنعلم أن من أعظم التقوى القيام بحق كتاب الله وحق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن نلتحق بالقيام بالواجب والتكليف حتى ننال حظوة ذلك التشريف، ولعلي أذكر مقولة تهزنا أو تذكرنا، والمقولات كثيرة والمواقف عديدة والروايات في هذا الشأن حافلة تحتاج منا إلى مزيد من التدبر، الإمام القرطبي صاحب التفسير يقول: "ينبغي -أي لحامل القرآن- أن يتعلم أحكام القرآن فيفهم عن الله مراده وما فرض عليه فينتفع بما يقرأ ويعمل بما يتلو، فما أقبح حامل القرآن أن يتلو فرائضه وأحكامه عن ظهر قلب ولا يفهم ما يتلو فكيف يعمل بما لا يفهم معناه"، ثم شبّه من يكون كذلك بالحمار يحمل أسفارا، مراجعة مطلوبة لنا معشر أمة الإسلام، نعم نحن الذين أعزنا الله بالإسلام ومتى ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله، نعم نحن أتباع محمد صلى الله عليه وسلم لكن إن لم نقم بحق هذا الانتساب فإننا بين يدي الله موقوفون وعن هذا التقصير مسؤولون وسوف يكون الأمر كما أخبرنا الله جل وعلا وأخبرنا به رسوله صلى الله عليه وسلم.
وأختم بأن السبق في هذا فيه خير كثير وأجر عظيم: "من سنّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة"، وكما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: "من دعا إلى هدىً كان له أجره وأجر من عمل به إلى يوم القيامة"، فينبغي لنا أن نرجم الفجوة وأن نجسر الهوة بيننا وبين كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم إقبالاً وتعلماً وتعليماً وعملاً ودعوة حتى ننال الشرف العظيم الذي يعزنا الله به في الدنيا وينجينا به في الآخرة.
أسأل الله جل وعلا أن يجعلنا بكتابه مستمسكين ولهدي نبيه صلى الله عليه وسلم متبعين، ولآثار السلف الصالح مقتفين.
اللهم تول أمرنا وارحم ضعفنا واجبر كسرنا وبلغنا اللهم فيما يرضيك آمالنا، اجعل اللهم خير أعمالنا خواتيمها وخير أيامنا يوم نلقاك وأنت راض عنا، اللهم احشرنا في زمرة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم وأوردنا اللهم حوضه واسقنا منه شربة لا نظمأ بعدها أبداً يا رب العالمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق